برزت الدراسات المقارنة للسياسة الخارجية مع مطلع السبعينيات من القرن 20 على يد أنصار المدرسة السلوكية نتيجة للتطورات و المستجدات الدولية التي شهدتها تلك الفترة حيث أدى حصول دول العالم الثالث على استقلالها غلى تزايد الاهتمام فيما يمكن تسميته بدمقرطة العلاقات الدولية بعد أن كانت حكرا على الدول الأوروبية و لكن ماذا نقارن في السياسة الخارجية؟ يف نقارن؟ لماذا نقارن؟
ماذا نقارن في السياسة الخارجية: بما أن السياسة الخارجية هي عبارة عن توجهات و أهداف يتم تحقيقها من خلال الوسائل و الآليات المعتمدة. كما أنها تحصيل حاصل لذلك التفاعل للتلوث البيئي بين مختلف المتغيرات الداخلية و الخارجية والسيكولوجية. فهذا يعني أننا نقارن بين مختلف السياسات الخارجية من خلال كل هذه المقتربات أي من خلال الأهداف أو الوسائل و الأدوار و التوجهات و المتغيرات.
كيف نقارن في السياسة الخارجية: تتم المقارنة في مجال السياسة الخارجية من خلال إتباع منهج البحث التاريخي المقارن، حيث أن المقارنة في السياسة الخارجية تتم وفق مستويين:
1- المستوى الأول: يتم فيه المقارنة بين سياستين خارجيتين لدولتين أو أكثر و هنا نستعمل المنهج المقارن.
2- المستوى الثاني: و هو الذي تتم فيه المقارنة بنفس السياسة الخارجية لدولة بعينها في فترات زمنية متعاقبة و هنا يتم توظيف منهج البحث التاريخي المقارن.
لماذا نقارن في السياسة الخارجية: حسب مايكل هاس “Haas Michael “ : نقارن في السياسة الخارجية من أجل تحقيق جملة من الأهداف التي يمكن حصرها فيما يلي:
أ- إعطاء وصف واضح و شامل حول ظاهرة السياسة الخارجية بغية الحصول على معلومات كافية عن الأحداث و كل ما يجري في الساحة الدولية.
ب- التنبؤ بمستقبل المجتمع الدولي.
ج- اتساع دائرة استيعابنا و فهمنا للسياسات الخارجية لمختلف الوحدات السياسية كبيرة كانت أو صغيرة، متقدمة أو متخلفة .
د- استخلاص أفضل السياسات الخارجية في العالم من خلال إبراز عناصر التمايز أو الاختلاف.
نموذج " جيمس روزنو James Rosenau " للدراسة المقارنة للسياسة الخارجية: يعد جيمس روزنو من المبادرين الأوائل المساهمين في تقديم إطار نظري للدراسة المقارنة للسياسة الخارجية في مطلع السبعينيات من القرن 20م حيث قام بترتيب عناصر التأثير حسب وزنها و في مجالات مختلفة و متباينة، و في هذا الصدد يعتبر روزنو كل من المتغيرات الفردية و المغيرات المتعلقة بالدور و المتغيرات المجتمعية والمتغيرات الحكومية و المتغيرات النسقية أو النظامية كلها متغيرات تؤثر بشكل أو بآخر في سياسة الدول الخارجية و تتفاوت درجة تأثيرها من دولة إلى أخرى حسب حجم مساحتها و فيما إذا كانت الدولة ذات نظام سياسي مفتوح أم مغلق، متقدمة أم متخلفة وذلك من خلال المعيار الجغرافي، المعيار السياسي و المعيار الاقتصادي على التوالي:
1- أما المتغيرات الفردية: فهي تلك المتغيرات المتعلقة بالبنية السيكولوجية المتصلة بصانع القرار و التي يمكن حصرها في التكوين الشخصي لصانع القرار خبرته، قيمتهن ولاؤه، إيديولوجيته و فكرته (نجده بضفة خاصة في رؤساء بلدان العالم الثالث).
2- متغيرات الدور في السلوك الطبيعي المفترض أن ينتهجه صانع القرار انطلاقا من مركزه حتى و إن كان يتعارض مع آرائه و توجهاته (السياسة الخارجية الفرنسية (ليبرالية) في عهد فرنسون هيترون (أفكاره اشتراكية)). علما أن تأثير متغيرات الدور تتباين من دولة إلى أخرى، ففي الدول المتقدمة هناك جلاء واضح للأدوار بحكم التجارب المتكررة و بالتالي فهي تلعب دورا كبيرا في رسمن و تحديد السياسة الخارجية لهذه الدول على العكس مما هو شائع في الدول المتخلفة، في حين تتمثل المتغيرات المجتمعية في متغيرات مادية و أخرى غير مادية:
أ- المتغيرات المجتمعية المادية: فتتعلق بالبيئة الغير بشرية (الموقع الجغرافي، الإمكانيات و الموارد الاقتصادية، المواد الأولية، التقدم التقني و التكنولوجي).
ب- المتغيرات المجتمعية غير المادية: للتركيبة البشرية للمجتمع و ثقافته السياسية و معتقداته و إسهاماته التاريخية……..
3- المتغيرات الحكومية: فهي تعبر عن هيكل السلطة القائمة و مؤسساتها وأجهزتها الحكومية فضلا عن المنظومة الحزبية.
4- المتغيرات النسقية أو النظامية: تلك المتغيرات التي تفرزها المخرجات وتتلخص في النظام الدولي القائم و مختلف.
- الدول المتقدمة تتأثر بالمتغيرات الداخلية زائد السيكولوجية على صناع القرار.
- السياسة الخارجية للعالم الثالث تتأثر بالمتغيرات الخارجية.
فروعية أي النظام الإقليمي و النظام الجيو استراتيجي للدولة.
و قد لخص "روزنو" دراسته المقارنة للسياسة الخارجية في نموذج نظري يصنف فيه الدول وفق ثلاث معايير أساسية:
1- المعيار الجغرافي: دول كبيرة و دول صغيرة.
2- معيار سياسي: دول ذات نظام مفتوح و دول ذات نظام سياسي مغلق.
3- معيار اقتصادي: دول متقدمة و دول متخلفة.
دول صغرى متخلفة:
- تتأثر بالمتغيرات الحكومية في النظام السياسي المفتوح في حين تتأثر بالمتغيرات المجتمعية في
- تتأثر بالدور الذي يصل بصانع القرار.
- تتأثر بشكل كبير بالوضع الاقتصادي و كونها متخلفة و صغرى فهي تتأثر بالمتغيرات البيئية الداخلية.
دول صغرى متقدمة:
- تتأثر بالمتغيرات المجتمعية (صورة جماعية) لأنها ذات نظام سياسي مفتوح.
- تتأثر بالمتغيرات الخارجية سواء كانت متقدمة أو متخلفة لكونها دول صغرى.
- تتأثر بالدور لأنها متقدمة في حين الدولة المتخلفة تتأثر بالفردية.
الدول الكبرى المتخلفة:
- كون الدول ذات سياسي مفتوح تتأثر بالمتغيرات المجتمعية أما المغلقة تتأثر بالمتغيرات الحكومية.
- تتأثر بالمتغيرات صانع القرار في دوره (شخصيته كذلك).
- تتأثر بالمعيار الاقتصادي فالمعيارات الفردية تتأثر بشكل كبير بشخصية صانع القرار.
الدول الكبرى المتقدمة:
- الحكومية في النظام السياسي المغلق: يتأثر بالمتغيرات السيكولوجية لشخصية الرئيس (USSR) .
- الفردية بالنظام السياسي المفتوح: لأن القرارات في الدول الكبرى لا تصنع من طرف الرئيس فقط .
- النظام الدولي: يتأثر بالمتغيرات الداخلية البيئية و السيكولوجية.
- الحكومية: تتأثر (البرلمان، السلطات التنفيذية، التشريعية، القضائية).
- الفردية: صناع القرار (الرئيس) تتأثر بالنظام السياسي.
- المجتمعية: الرأي العام، البيئة الداخلية، الجماعات الضاغطة، مؤسسة المجتمع المدني تتأثر بالنظام السياسي.
- الدول الكبرى تتأثر بالمتغيرات الداخلية أكثر من المتغيرات الخارجية.
- يجب أن يشترط عنصر التماثل لكي نقارن بمعنى وجود المعايير الثلاثة.
1- أهداف السياسة الخارجية:
أ- الأهداف قصيرة المدى:
و هي ما تسمى بالأهداف المحورية لأنها ترتبط أساسا بأمن الدولة من حيث المحافظة على كيانها و سيادتها. فكل دولة ذات سيادة مهما كان حجمها كبيرة أو صغيرة متقدمة أو متخلفة تملك هذا النوع من الأهداف في سلوكياتها تجاه محيطها الخارجي (السياسة الخارجية سياسة هادفة).
( في عالم ما بعد الحرب ظهرت فواعل جديدة كالمنظمات و سيادة الدولة أصبحت تنبع من السيبادة الإقليم نية أو العالمية لاسيما أن الدول انصهرت في ظل هذه التكتلات) السياسة الخارجية لدول العالم الثالث، السياسة الخارجية للدول في ظل العولمة .
ب- الأهداف المتوسطة المدى:
و تتمثل في تلك الأهداف المتعلقة بتحقيق نوع من المصالح الاقتصادية و السياسية من حيث خدمتها لمصالحها العامة و بنائها لنفوذها السياسي في علاقاتها الخارجية و قد تكون هذه الأهداف متغيرة أو تكتيكية و ترتبط بقضايا معينة و ينتهي دورها بانتهاء موضعها (أهداف متغيرة تنتهي ببلوغ الوحدات إلى مصالحها).
ج- الأهداف طويلة المدى: (الأهداف الإستراتيجية)
و توصف هكذا لأنها تتطلب من الدولة وضع سياسة معينة من أجل تحقيق هدف طويل المدى على الصعيد الدولي سواء كان هذا الهدف في شكل تحقيق تكامل بين دولتين أو مجموعة من الدول الأخرى في نفس الإقليم الجغرافي أو لتكريس الهيمنة العالمية كما هو الحال بالنسبة للصراع الدولي بين و.م.أ و الاتحاد السوفياتي إبان الحرب الباردة.
(تتطلب مجموعة من التكتيكات للوصول إلى الهدف الاستراتيجي)
الاتحاد الأوربي هو إحدى النماذج التي تسعى إلى الهيمنة العالمية
و من ثم فاستمراره إلى حد الآن يدخل ضمن الأهداف الطويلة المدى، و مهما اختلفت تلك الأهداف و تنوعت فيمكن حصرها في المصلحة الوطنية . فما المقصود بالمصلحة الوطنية.
إن الدول في علاقاتها مع بعضها البعض تتصرف و تفكر في إطار ما يعرف بالمصلحة الوطنية فبعبارة أخرى الدول تستعمل سياساتها الخارجية من أجل تحقيق مصلحتها الوطنية. في الواقع أن مفهوم المصلحة الوطنية مفهوم غامض بحيث لا يوجد تعريف محدد بشأنه فمعظم المحللين و المنظرين في ح د يحللون السياسة الخارجية في إطار المصلحة الوطنية حيث أن الواقعيين و على رأسهم (هانس مورغانثو) يعرفون السياسة الخارجية في إطار المصلحة الوطنية و التي بدورها يعرفونها في إطار القوة و بهذا المعنى فإن كل سياسة خارجية حسب الواقعيين تتميز في كونها انعكاسا أو معارضة للمصلحة الوطنية.
(دول العالم الثالث لا توجد في القاموس السياسي للواقعيين فمفهوم المصلحة لدى هؤلاء مرادف للقوة و ه الدول ضعيفة و هشة).
الوضعيون ج: الدول في السياسة الخارجية تسعى لتعظيم الأمن و تعظيم الأمن هو من تعظيم القوة و السياسات الخارجية لدول العالم الثالث هي سياسات تابعة تتأثر بالبيئة الخارجية و ليس الداخلية.
آليات و وسائل تقييد السياسة الخارجية:
من أجل ترجمة تلك الأهداف إلى واقع ملموس تلجأ الدولة في سلوكيتها الخارجية تجاه محيطها الدولي إلى استعمال وسائل و آليات تتماشى و طبيعة الهدف المراد بلوغه. كما أن حجم الهدف يحدد حجم الوسيلة.
ثمة أنواع متعددة لهذه الوسائل يمكن حصرها في الوسائل الدبلوماسية العسكرية، الاستراتيجي، الاقتصادية فضلا عن الوسائل الإعلامية و الدعائية.
1- الوسائل الدبلوماسية: تعد هذه الوسائل من أقدم الوسائل المستعملة في تنفيذ السياسة الخارجية وقت السلم و قد كانت تستخدم الوسائل الدبلوماسية في فترة ما قبل الحربين العالمية الأولى و الثانية في إطار ما كان يعرف بالدبلوماسية السرية و التي كانت تتم عن طريق الاتصالات غير العلنية. أما في فترة الحرب الباردة عملت الدبلوماسية على الحيلولة دون اندلاع الحروب أو وقوع المواجهات العسكرية المباشرة بين القوى النووية الكبرى. كما يرجع لها الفضل العظيم في كيفية إدارة المفاوضات الخاصة بنزع ومراقبة و الحد من انتشار الأسلحة النووية. تتمثل الوسائل الدبلوماسية في المفاوضات والمساومات و الوساطة و إبرام المعاهدات و الاتفاقيات و كل ما يتصل بتسوية النزاعات و الصراعات بالطرق السلمية " إذا أردت السلم فاستعد للحرب".
2- الوسائل الاستراتيجية و العسكرية: و هي وسائل ذات طابع تقني عسكري قد تكون هذه الوسيلة في شكل استخدام القوة العسكرية عندما يتعلق الأمر بأن الدولة بعد فشل الوسائل الدبلوماسية و قد تكون هذه الوسيلة في شكل تدخل عسكري لدولة قوية غلى جانب طرف ما من الطرفين المتنازعين في حرب أهلية أو نزاع بين طرفين داخل دولة معينة و قد تكون هذه الوسيلة في شكل تقديم مساعدات عسكرية مادية كانت أو معنوية.
(دول العالم الثالث دول عسكرية تشهد انقلابات كثيرة نتيجة لعدم الثقة بين الحاكم والمحكوم).
3- الوسائل الاقتصادية: و هي لا تقل أهمية عن الوسائل الدبلوماسية و الوسائل العسكرية حيث تستخدم وفق طبيعة الهدف المراد تحقيقه و قد تشمل الوسائل الاقتصادية المعونات و المساعدات التي تقدمها الدول المتقدمة للدول المتخلفة في إطار سياستها الاستقطابية.
و قد تأخذ هذه الوسائل شكل الحظر الاقتصادي أو شكل المقايضة مثال: العراق: النفط مقابل الغذاء.
كما أضحت الوسائل الاقتصادية ذات أهمية بالغة لفعل سياسة الاعتماد المتبادل وكذا توجه الوحدات السياسية في عالم ما بعد نهاية الحرب الباردة نحو التكتلات الاقتصادية على المستويات الجهوية الإقليمية و كذا الدولية.
(عادة ما ترتبط الوسائل الاقتصادية بعنصر القوة كمثال الحضر الأمريكي على العراق وفق القانون pamato لأنها دولة قوية).
بالإضافة إلى وسائل الإعلام التي تؤثر في عملية صنع و اتخاذ القرار السياسي.
مصادر السياسة الخارجية: Les sources of foreign policy
أ- التوجهات: 1- التوجهات المؤدلجة: أثناء الحرب الباردة.
2- التوجهات الواقعية المصلحية: ما بعد الحرب الباردة.
ب- الأدوار:
1- حامي المنطقة.
2- المحب للسلام.
3- الزعيم الإقليمي.
4- المتميز عن حلفائه.
5- الحليف الموثوق.
6- المذود في محيطه.
هي تلك السلوكيات التي تنتهجها الدولة خارج محيطها انطلاقا من منظومة قيمية إيديولوجية و هي تلك التوجهات التي تهيمن على السياسة الخارجية للدول أثناء الحرب الباردة التي كانت تتميز بهيمنة نظام الثنائية القطبية إذا كانت بالنسبة النظام الدولي الشرط الأساسي لتحديد توجهات الدول في إطار سياستها الخارجية لذلك ففي النظام القطبي فشلت تلك الدول التي تطمح إلى تحقيق الأمن من خلال سياستي الانعزالية و عدم الانحياز لأن هاتين السياستين تتميزان بمحدودية المشاركة الخارجية و رفض أي تغلغل خارجي ومواجهة مختلف الأخطار أو التهديدات الخارجية و هي أمور ترفضها تلك القوى الكبرى التي تتصرف في سياساتها الخارجية وفق ما تمليه عليها إيديولوجيتها أو قيمها الإيديولوجية من خلال انتهاجها لسياسة الاستقطاب الدولي و قد كان هذا النوع من التوجهات الأكثر انتشارا إبان الحرب الباردة.
التوجهات الواقعية المصلحية: و هي تلك التوجهات التي أصبحت تميز العلاقات الدولية لفترة ما بعد نهاية الحرب الباردة بعدما أصبح يهيمن عليها متغير المصلحة و من ثم فإن سياسات الدول الخارجية تتحرك وفق متغير المصلحة و لعل توجه الوحدات السياسية بمختلف قناعاتها الفكرية و الإيديولوجية نحو التكتلات الاقتصادية و كذا توسيع الاتحاد الأوروبي يشمل دول أوربا الشرقية كخير مثال على ذلك.